الشماتة بالمصائب- تأويلات باطلة أم قسوة قلوب؟

المؤلف: نجيب يماني10.18.2025
الشماتة بالمصائب- تأويلات باطلة أم قسوة قلوب؟

في كل فاجعة ورزية، ترتفع أصوات بذيئة، تنبعث من أفراد ذوي دوافع خفية، قلوبهم تغمرها الكراهية والحقد الدفين، وتتلذذ في مصائب الآخرين. هؤلاء الأشخاص المرضى يتمنون المزيد من الكوارث والنكبات، وسقوط الضحايا الأبرياء، في استهزاء فج لا يليق بأخلاق المسلم السمحة وتعاليم الإسلام الراقية.

يزعم هؤلاء الأفاكون، مستخدمين وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، بادعاءات زائفة وكاذبة، أن الحرائق الهائلة التي تشب في أرجاء أمريكا هي انتقام إلهي لما حدث في غزة ولبنان. بل إن بعضهم يطلق العنان لخياله المريض، فيزعم أن ذلك غضب من الله لمقتل زعيم حزبي. إنها لظاهرة شنيعة تتكرر كلما رأوا أعاصير مدمرة، وزلازل مهلكة، وفتنًا طاحنة، ومجاعات قاسية، وحروبًا مدمرة تضرب بعض الدول، مما يؤدي إلى خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات. هذا تمامًا كما كان يحدث من بعض أصحاب المنابر المسيسة في أيام الصحوة السوداء، عندما ضرب إعصار هارفي أمريكا وإعصار إيرما وجوزيه، وهي عواصف حلزونية استوائية تتكون نتيجة عوامل طبيعية بحتة، تحدث بمشيئة الله القدير، تجرف المنازل وتدمر الممتلكات وتحصد الأرواح. إن الكرة الأرضية بأسرها تشارك في هذه الظواهر الكونية، إلا من رحم ربي وعصمه.

ومع الألم العميق والحسرة التي تعتصر القلوب، كانت ترتفع أصوات نشاز في المنتديات الإلكترونية والإنترنت، ومن على المنابر المتطرفة التي تخلت عن الحكمة والتبصر، وألقت بها في غياهب النسيان.

تعليقات سخيفة تحمل بين طياتها رائحة الشماتة المقيتة والتشفّي البغيض، يتصدرها أصحاب الأجندات الخفية والشامتون في مصائب الآخرين والمتشددون الذين يدّعون بأن ما يحدث هو عقوبة إلهية على فسادهم وظلمهم ومعاصيهم، ناسين أو متناسين أن هذه الأعاصير والزلازل تمر على الكافر والمسلم على حد سواء.

لا أدري من أين أتوا بهذا الادعاء الباطل بأن هذه الكوارث هي عقوبة من الله، وكيف توصلوا إلى هذه التأويلات الفاسدة لقضاء الله وقدره، الذي لا ينبغي لأحد من البشر التجرّؤ على تأويله وفقًا لأهوائه ورغباته. فهذا باب من أخطر أبواب الزيغ والضلال، فهو يدخل تحت طائلة التقوّل على الله بغير علم، ولقد أنكر الله بشدة على من يتأوّل أفعاله وما قضى في عباده من أحكام.

قالوا في هالة من الزيغ والضلال: «لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم»، يبرّرون بذلك أفعالهم الشنيعة، فرد عليهم سبحانه وتعالى بقوله: «مَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ». فكيف لهؤلاء الناس السذج أن يفسروا أفعال الله وأحكامه وقضائه وقدره بأهوائهم المريضة؟ إنهم كالذين يخترعون التشريعات من عند أنفسهم، وهو باب من أبواب التقوّل على الله بغير علم. «وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ». وقالوا من عند أنفسهم إن الله اتخذ ولدًا حين سمعوا أن الله نفخ في مريم من روحه فحملت بعيسى، وقالوا هذا ابن الله تأويلاً من عند أنفسهم لأفعاله سبحانه وتصريفه لشؤون عباده، فجاء فيهم التنديد والإنكار لهذا التقوّل والافتراء على الله، بقوله تعالى: «قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَـذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ».

فالتقوّل على الله بغير علم هو من أعظم الكبائر وأشدها إثمًا، وهو مقرون بالشرك لقوله تعالى: «وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ».

لقد حذّر الله بشدة من التقوّل بغير علم في أي حق من حقوق الناس، فما بالنا بالتقوّل على الله نفسه؟ ففي قصة الإفك يقول الحق تبارك وتعالى: «إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ». لقد أصاب المسلمين قحط شديد في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى سمي بعام الرمادة، حيث أكل فيه الناس أوراق الشجر والميتة من شدة الجوع، وما حدث لنبي الأمة صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد وفتح مكة، وما لقاه من أذى المشركين وحصارهم له وللمسلمين، وما يمر على المسلمين في كل زمان ومكان من حروب ومحن وابتلاءات. فهل بعد كل هذا يستبيح المرء اتهام الناس الأبرياء وتأويل قضاء الله وقدره بأنه من سوء ما كسبت أيديهم؟ إن الزلازل والمحن تطول كل بلاد الكرة الأرضية، بما فيها من مسلم وكافر، فماذا يقول هؤلاء الجهلة، هل هو أيضًا عقاب لهم؟ بقولهم هذا يسقطون إنسانيتهم. إن العالم بأمس الحاجة إلى المزيد من الإنسانية والتآزر والرحمة والتعاطف والسلام والمحبة، فنحن نعيش على كوكب واحد، فليصمت الشامتون الحاقدون إلى الأبد.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة